حلقة جديدة من برنامج التعرف على ثراث الاجداد:نمل وخراب شكلنزة

شبكة صدى الشحر/شبكة حضرموت ارض الحضاره

هاذي القرية توجد في احد ارياف مديرية الشحر وندثرت الان بسبب هاذي القصة العجيبة

كثيراً ما تتولد الحكايات الشعبية من تجارب الشعوب وبقدر ما تنتقل من جيل إلى جيل يضيف إليها الرواة ما يستوجب إضافته ويحذفون ما لم تتقبله أنفسهم ولهذا نجد أنها تختلف روايتها من مكان إلى آخر بزيادة أو نقصان. ومادامت فلس...فة الإنسان تدرك أن الغاية تبرر الوسيلة وأن الوسيلة تحتاج إلى وسيط حتى تصل إلى الغاية، وغاية الإنسان من أرضه لقمة عيشه فلا بد من تجلي الوسيلة لإنبات الأرض ولكن إذا انعدمت الوسيلة بطل الطالب والمطلوب. 
ووسيلة الإنسان للإنبات وجود الماء الذي هو غاية وسيلتها التقرب إلى الله تعالى ولهذا فكل وسيلة تصبح غاية لوسيلة أخرى. وعلى ضوء ذلك كان اعتقاد الناس أن خراب شكلنزة هو غاية تبرر وسيلة وأن وجود ظاهرة الوسيلة (لفظاً) وانعدامها (حساً) قرب الغاية إلى الخراب. وهكذا أضاف الرواة إلى السبب في الوجود اللفظي للوسيلة أسباباً عدة تولدت عنها حكايات شعبية يوحي بعضها إلى سبب الفساد أو الوباء وبعضها على غير ذلك. وحتى الفساد عمد بعض الرواة إلى تفصيله والسبب في نشأته الذي عازوه إلى وسيلة أدت إلى غاية وهذه الغاية صارت وسيلة إلى الغاية الكبرى التي هي الخراب. وبعضهم يرمي هذه الغاية إلى وسيلة وسيطها (النمل) في الخراب كما خرب الفأر سد مأرب وقد قال محمد اليمني الملقب بنجم الدين المتوفى سنة 569 هجرية في ذلك : 
ولا تحتقر كيــد الضعيف فر بما تموت الأفاعي من سموم العقارب
وقد هدّ قدماً عـرش بلقيس هدهد وخرّب حفر الفأر ســـــد مـــأرب
وقد اعتبر الوسيط في الخراب هو الفأر كما اعتبر العامة خراب شكلنزة بسب النمل واعتبروه الوسيط بين الغاية والوسيلة.
ويقال عن حكاية خراب شكلنزة إن الأهالي طغى عليهم السلوان وجعلهم ينسون أعمالهم وأشغالهم وانشغلوا به أكثر من أي شيء آخر ويبيتون الليل في رقص (شروحات) ولهو ومجون ويقضون نهارهم في النوم حتى أفسدوا وبفسادهم سلط الله عليهم حشرة (النمل), فخرب بيوتهم حتى هجروها لصعوبة العيش بمعية النمل المتكاثر. وهذا اعتقاد وليس كل اعتقاد يؤدي إلى الصحة على مبدأ الوسيلة تؤدي إلى الغاية ما لم يتوفر الوسيط بين الوسيلة والغاية، وإن كان الوسيط هنا النمل وإن الوسيلة التي أدت إلى غاية الخراب هي المفاسد.
ونحن هنا لا نجزم بصحتها أو ننفيها وإنما تطرقنا لها من باب الحكايات الشعبية التي التصقت بهذه القرية ولنا في ذلك وجهة نظر تحليلية.
فإذا بحثنا في الوسيط نجد أن هناك أسباب عدة ووسائل أدت إلى وجوده وهذه فرضية من حيث المبدأ لأننا لا نبني افتراضنا على معتقدات ربما نتجت عن خرافات وحكايات تفنن في وضعها الرواة. وهكذا فكل معتقد نشأ ليفسر خراب شكلنزة ليس بالضرورة صائباً ما لم يقم هذا المعتقد على أدلة وبراهين وشواهد. 
وإذا قمنا بدراسة ولو نظرية على هذه الظاهرة نجد ما ينفي هذه المعتقدات الخاطئة التي رافقت الناس زهاء القرن والنصف من الزمن أو يزيد، وإن لم تكن لنا خبرة في علم الآثار أو الجيولوجيا فدليلنا يقوم على البعد النظري والمنطق العقلي للمنطقة برمتها حتى تتبين لنا أسباب الخراب. 
ومادام العمران كله من بداوة وحضارة له عمر محسوس وللإنسان عمر يحسب بعمر المجتمع الإنساني وعمر المجتمع هو تاريخه وإن الزمن لا وجود له وحده من غير الإنسان الذي يعيه ويعطيه حقيقة ذلك الوجود وبهذا نستطيع أن ندرك الزمن الذي عاش فيه المواطن الشكلنزي ــ أن جاز التعبيرــ إذا عُرف عمر الإنسان بقياس عمر المجتمع ولهذا المجال رجاله المؤرخون ولأننا لا نمتلك الوثائق التي تثبت ذلك فلا نقحم أنفسنا في حديث عن تاريخ وثائقه مازالت موجودة مع أحفاد الشكلنزيين ولكننا فقط نتحدث عن الخراب برؤية منطقية قائمة على العقل الذي يدرك الأشياء الظاهرة أمامه بحديث لا يبتعد كثيراً عن الإنشاء.
وعندما نسمع عن كثير من الحضارات وعن المدن والبلدات التي سادت ثم بادت فليس بالضرورة أن تكون إبادتها لسبب واحد ، ربما تكون لأسباب فعلية مباشرة من الإنسان نفسه بفعل حروب أو غيرها أو لأسباب غيبية يعجز الإنسان عن فهمها، سببها ما يحمله في كنهه أو ما يظهر على فعله في غيّه أو لانتشار المرض والوباء والجفاف. 
وإذا ما رأينا في بلدة شكلنزة حاضرة القرى والأرياف من أعمال مدينة الشحر وما تناقلته عامة الناس من حكايات ركيكة حول خرابها كتلك التي تناقلتها كتب التاريخ فيما حدث لبلدة (قابس) من وباء مع الفارق في فضول القابسيين وسلوان الشكلنزيين الذي يحتاج إلى مبحث خاص لأن أهم دعائمه الشائعات وإن كان من واجب الباحث أن يدوّن الحكايات الشعبية كما سمعها لكن عليه أن يحاول تحليل ما سمعه والتعليق عليه بالمنطق السليم لأنه يعلم أنها ناتجة عن خيال الأميين وأن تفسيرهم لظاهرة ما يدخل عليها الخيال والمبالغة في القول ربما للإفزاع والتخويف أو على النقيض من ذلك للحث على الشجاعة والإقدام وكلها وسائل تثقيفية. 
وشكلنزة هي بلدة شمال غرب مدينة الشحر تبعد عنها بحوالي ثمانية عشر كيلومتر حيث أنها كما يشاع قرية محفوفة بالبساتين وأشجار النخيل وتحمّل منها القوافل ما يقرب من مائتي بهار من التمور والحاجات الأخرى من خضار وفواكه ـ البهار خمسة عشرة فراسلة والفراسلة عشرون رطلاً ـ وهذا ما يقربنا من تسميتها المركبة (شكلٌ نزه) أو (شكل النزه) والشكل هيئة الشيء وصورته ومثله وشبيهه والنزه المكان المزين بالنبات، ومكان نزه بمعنى الأرض التي زينت بالنبات، وللتخفيف النطقي في الاسم المركب الأول أدغمت نون التنوين في (شكل) بالنون الابتدائية لكلمة (نزه) ولفظت مركبة مخففة (شكلنزه). وفي الاسم المركب الثاني أوصلت لام (شكل) بنون (نزه) المشددة بعد تخففيها وتسكينها ولفظت بلهجة بدوية (شكلنزه) وكتبت بالتاء المربوطة. وما هو موجود من آثار زراعية يؤكد خضرتها وهذا التأكيد يؤدى إلى صحة عمرانها وكثرة منتجاتها وإنها طريق للقوافل. 
كما كانت في أيام الغزو البرتغالي على مدينة الشحر (1523م) حاضرة وعامرة حيث لجأ إلهيا بعض من أهالي الشحر. كما إنها جامعة القرى والبوادي المحيطة بها في جامعها المسمى (الزاهر) ذو القباب التسع ولازالت بعض قبابه موجودة إلى الآن وربما هو المبنى الوحيد المعروف بشكله في البلدة. 
وقد سمعت من بعض الرواة أن أجدادهم كانوا يصطحبون آباءهم وهم أطفال لأداء فريضة الجمعة في مسجد الزاهر بشكلنزة ومعنى ذلك أنها إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر تقريباً كانت عامرة بالناس ومما يجدر قوله أن بقايا ديارها لا زالت موجودة وقد ذكرها بعض المؤرخين بأنها (الحّوة) مع أن الحوة القديمة تبعد عنها بأقل من كيلو متر تقريباً وهي الأخرى تعرضت للخراب فيما بعد وبنيت من جديد على هضبة صغيرة في محاذاة الوادي من جهة الغرب للحوة القديمة تسمى (المسطان) في عهد قريب وأطلق عليها اسم ( الحوة ) أيضاً.
ويقال أن سكان شكلنزة تفرقوا بعد الخراب بين الجرادف والحوة و معيان المساجدة (كلها شمال الشحر وتابعة لها إدارياً) وإلى بعض المدن الرئيسية وإلى غير ذلك من البلدان. وحقيقة القول أنه لا يمكن انتزاع الخبر اليقين من أي أحد كان إن كان من أصول شكلنزية لكثرة التداعيات مع احتفاظ البعض بما يثبت ذلك أو ربما لعدمه.
أما إذا عدنا لخبر الخراب الذي حدث لشكلنزة حسب الرؤية البصرية للآثار الباقية فإنه يرجع إلى شحة المياه بل الجفاف بصورة عامة في تلك المنطقة أدى إلى الخراب ومادامها منطقة زراعية فالجفاف له الدور الأكبر في هذا الخراب. فعندما جفت المعايين يبست الأشجار وأصبحت أرضها قاحلة لا حياة فيها لشجر أو بشر فهجرها ساكنوها إلى غيرها لطلب الرزق أما ما أثير حولها من حكايات شعبية على خرابها وسيطها (النمل) الذي يخرج من قراه في باطن الأرض كالذؤاب جميعاً بحثاً عن الماء والغذاء أعتقد أنه غير صحيح مع أنني قد أسلفت الذكر إن الاعتقاد ليس بالضرورة يكون صائباً ولكن ما تراه العين يبرر ذلك. 
فالسبب الحقيقي هو الجفاف وعزائي في ذلك أن جميع الأراضي في تلك المنطقة شهدت الجفاف بدءاً بشكلنزة ثم المزارع المجاورة لها وعلى مرور الزمن شكلت ما يشبه الحزام الجاف. 
فالحوة القديمة هجرت بعد الجفاف وصارت أطلاًلاًً والحبس منتزه أهل الطرب هجرت أيضاً و الطائف والصويفي بالمثل وليست هذه المناطق و حدها تعرضت للجفاف بينما بلدات أخريات في أماكن كثيرة تعرضت للجفاف وصارت أثراً بعد عين ولم يشع عنها أن خرابها سببه النمل أو الوباء أو الفساد ولأن شكلنزة حاضرة الأرياف السائدة آنذاك وأشهرها، ومنتزه الجميع كان الحديث عنها من باب أولى وقذفها بالحكايات الشعبية الخرافية من باب الدهشة والاستغراب إن لم يكن من باب التهويل..

رابط شبكة حضرموت ارض الحضاره على التلجرام
http://telegram.me/alhdara

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكاية اسطورة الشهداء السبعة